דילוג לתוכן המרכזי בעמוד

دورالقصّةفيتعزيزالحصانةالنفسيّةللطفل

09/01/2025

مقال رنا إغبارية محاميد أخصائيّة نفسيّة تربويّة

 

شاع في السنوات الأخيرة بين المختصّين والتربويّين في مختلف المجالات استخدام مصطلح "الحصانة النفسيّة"، وذلك لأهميَّته ودوره المحوري في ظلِّ ما يعيشهُ المجتمعُ العربيُّ من ظروفٍ تتعلَّقُ بالحرب، والعُنف، والتَّوتُّر. يشيرُ هذا المصطلحُ إلى قدرة الفرد على مواجهة الظروف الصعبة والتحدِّيات، مع المُحافظةِ على استمراريّته وتطوُّره الشخصيّ، وتتطلَّبُ هذه القدرة امتلاك مجموعةٍ مِنَ المهارات الأساسيَّة، من أهمِّها: مهارة الوعي الذاتيّ، ومهارة المرونة الذهنيّة.

الوعي الذاتي والمرونة الذهنيّة في بناء الحصانة النفسيّة

الوعي الذاتي: هو القدرة على التعرّف إلى المشاعر والحالة الجسديّة وفهمها، ثم تسميتها بمسمّياتها الصحيحة. على سبيل المثال، يسألُ الفردُ نفسَه: "ما هو شعوري الآن؟" أو "لماذا تصرَّفت على هذا الوَجه؟". تُعزِّزُ هذه القدرة من فهم الذات، وتساعدُ على التعامُل مع المشاعر بوعي.

المرونة الذهنيّة: هي قدرة الطفل على التَحلِّي بالمرونة في التفكير والسلوك، وعلى التأقلُمِ مع المواقف الجديدة، وتقبّل التغيُّرات، والتَعامل معها بإيجابيَّة، وللتوضيح، أحبُّ استخدام هذا المثال: تخيَّلوا معي شجرةً شاهقةً صلبة تواجه رياحًا عاتية. ثباتها وجمودها أمام الرياح يجعلُها عُرْضَة للاقتلاع. على النقيض منها فإنَّ النباتات الصغيرة المرنة التي تتحرَّك بانسيابيَّة مع الرِّياح الهوجاء، تنجح في تجاوز العاصفة بسلام.

الخلاصة: تعني الحصانة النفسيَّة الاستعداد والقدرة على مواجهة التحدِّيات، سواء كانت صعوبات يوميَّة، أو أزمات كبيرة. إنَّ الطفل الذي يتمتَّع بحصانةٍ نفسيَّة يكون أكثر استعدادًا لمواجهة المشكلات، وأكثر ثقةً بنفسه.

كيف نُطوِّرُ هذه المهارات لدى أطفالنا؟

الكتاب هو وسيلةٌ سانحة وفعّالة لفتح المجال أمام الطفل للتحدُّث والتدرّب على مهاراتٍ عديدة. عندما نقرأ كتابًا مع طفلنا في أجواء مليئة بالحميميَّة والقرب العاطفي، فإنّنا نُشْعِرُه بالأمان والحُبّ، ممّا يُشجِّعه على التعبير عن نفسه بشكلٍ طبيعي. من خلال القراءة المشتركة، يتمكَّن الطفلُ من استكشاف أحلامه ورغباته، والتعبير عن مخاوفه وقلقه بواسطة التماهي مع شخصيّاتِ الكتاب وأحداثه، بالإضافة إلى تنمية خياله من خلال اللَعب التخيُّلي، والقصص.

أمَّا فيما يتعلَّق بمهارتَيّ الوعي الذاتي والمرونة الذهنيَّة، فهناك العديد من كتب "الفانوس" التي تُسهم في تطويرهما، مثل: عصفورٌ مستاء، اقفز يا ضفدع، كيف امتلأ دلو فارس؟، البنت التي لم تغلط أبدًا، عندما أشعر بالخوف، غولة الألوان، القطّ ظريف ونظارتّه السحرية، وغيرها من الكتب المُميَّزة.

"الكتاب الغاضب" نموذجًا لتعزيز الحصانة النفسيّة

لنأخذ على سبيل المثال قصَّة "الكتاب الغاضب"، الذي وُزِّعَ هذا العام على أطفال الرَّوضات. يتناول الكتابُ موضوعَ الغضب وآليات التعامُل معه، مثل: تهدئة الجسد، التنفُّس العميق، استخدام الفكاهة، التفهُّم، والتعاطُف. ما يميّز هذا الكتاب هو استخدام الألوان المُتدرِّجة في الرسومات كوسيلة تعبيرية؛ حيث تبدأ الصفحات الأولى بألوان حمراء تعكس حالةَ الغضب الشديد، ثم تتدرَّج الألوانُ رُويدًا رُوَيدًا إلى البرتقالي، فالأصفر، وُصولًا إلى ألوان هادئة تُظهر زوال حالة الغضب.

يُساعِدُ هذا التدرُّج البصري الأطفالَ على فهم أن الشعور بالغضب هو حالة طارئة ومُؤَقّتة، بل له درجات قد تزيد أو تَقِلُّ. ليس كلّ موقف يؤدي إلى غضبٍ شديد، وهذا التدرّج يُظهر للأطفال أن المشاعر قابلة للتحكُّم والتغيير. من خلال استكشاف هذه الفكرة مع الطِفل، يُمكننا الانتباه إلى تدرّج المشاعر المختلفة، مثل الغضب، الفرح، أو الحماس. يمكننا طرح أسئلة مثل: "كيف يشعر الكتاب الآن؟ هل هو غاضب جدًّا، أم غضبه خفيف، أو متوسّط؟" وربط ذلك بحياة الطفل اليوميَّة. على سبيل المثال: "رأيتُكَ اليوم في الصَّباح غاضبًا مِن كذا وكذا. كيف كان غضبك؟ كبيرًا كانَ، أو مُتوسِّطًا، أم خفيفًا؟ ولماذا؟"

تُساعد هذه الخُطُوات الطفل على التعرُّف إلى مشاعره وفهمها، مما يُعتبر أساسًا لتعلُّم كيفية إدارة الغضب، وضبط الانفعالات. ومع الوقت، يُعَزِّز هذا الوعيُ قدرةَ الطِّفل على مُواجهة التحدِّيات اليوميَّة بثقةٍ وكفاءة، ممَّا يُسهم في بناء حصانةٍ نفسيّة قويَة. فكلَّما كان الطفل واعيًا بمشاعره وقادرًا على إدارتها، أصبح أكثر استعدادًا لمواجهة مصاعب الحياة بمرونة.

أخيرًا، يُمكنُ أن يكونَ طقسُ قراءة الكتاب مع الطِفل وقتًا نوعيًّا مثاليًّا لنعزّز ونوثّق الروابط مع طفلنا. إنّ التحمّس لقراءة الكتاب بأنفسنا والتشوّق له، وكذلك حبّ القصص والكتب التي نقرأها لطفلنا واختيار الوقت المناسب، من شأنه أن يجعل من طُقوس قراءة الكتاب وقتًا نوعيًّا مُمتعًا لنا جميعًا.

للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة المقال: "نصائح حول القراءة للأطفال وقت الأزمات"