نحترمالطبيعةنحترمالإنسان
29/11/2020
رنا منصور عودة*في أعقاب قصّة "جامع الحشرات"
تأليف ورُسومات: أليكس غرِفِثْس | ترجمة: منى أبو بكر
في عالم مليء بالضّغوطات، نتساءل حول آليّات التّعامل مع الضّغط والتّوتّر الناتج عنه. لم يسلم عالم الأطفال من هذه الضّغوطات. سباق يومي بين مهامّ الأطر التّعليميّة، الفعاليّات الّلامنهجيّة، تضاؤل الأوقات العائليّة، وسيطرة عالم التّكنولوجيا على روتين حياتنا بسرعة متزايدة.
طفولة باتت بعيدة عن ملامح عالم الأطفال. بعيدة عن تجربتي وتجربتك. بعيدة عن الأوراق والطبيعة. بعيدة عن حب الاستطلاع وحتّى عن الرّاحة.
بات أطفالنا يعيشون داخل شاشة زجاجيّة لا يزيد طولها عن العشر سنتيمترات. يزورون فيها الحيوانات وهم في البيوت، يلعبون كرة القدم وهم مُمَدّدون على الأسرّة، ويلتقون الأصدقاء في الغرف الافتراضيّة.
عالم جديد!
ويأتي كتاب "جامع الحشرات"، هذا النّص الذي يعيد لنا دفء الأوقات، ليحملنا معه إلى أحضان الطّبيعة، إلى القفز والبحث والاستكشاف، إلى منبع التّجارب الحسّية والعاطفية والذّهنيّة والحركيّة.
الطّفل في قصّة "جامع الحشرات" يذكّرنا بأنّ المكان الطّبيعي للأطفال هو حضن الطبيعة. حضن يعطي الفرح والراحة والتطوّر، من خلال القفز خلف جندب أو الزّحف وراء نملة أو الرّكض بخوف من نحلة!
يذكّرنا الكتاب بأنّنا جزء من عالم نعيش فيه مع مخلوقات أخرى. حيّة! مخلوقات غير محصورة في هواتف ذكيّة. مخلوقات تعلّمنا القيم الانسانيّة قبل العدو وراء الفوز وقتل الشخصيات الافتراضيّة.
ربما لم يبقَ بين أيدينا العديد من الآليّات للحدّ من تأثيرات العولمة على أطفالنا. لكنّ الكتاب، وخاصّة القصّة، كقصتنا هذه، هي وسيلة ذكيّة تتحدّى الهواتف الذكيّة.
فرصة ذهبيّة تُعيد لنا بعض الآليّات؛ رسالة تربويّة في قالب المتعة الصرف.
نحتاج أحيانا الى قصّة كـ"جامع الحشرات" لنفتح عوالم جديدة "قديمة" أمام جيل الشّاشات.
لا شك أن كلّ واحد منّا، سواء كنّا بالغين أو يافعين أو أطفال، سيتمتع في أحضان الطبيعة. فالطّبيعة هي ملاذ يحتوي على عوالم عدة. فيها ترتاح النّفس ويمتد البصر وتتفاعل كلّ الحواس معًا.
مسؤوليتنا في هذا العصر باتت مركّبة ومُربِكة في بعض الأحيان. نتشوّش ونحتار ونترك أنفسنا وأبناءنا لفيض من التّأثيرات الخارجيّة.
في خضمّ هذه العولمة ما زالت الطبيعة أسهل وأنجع النّوافذ إلى الحياة الحقيقيّة. علينا كبالغين الإكثار من وجودنا هناك، في الخارج، على قطعة أرض خضراء في ظلّ شجرة، وراء حيوان صغير يثير أسئلتنا، في الهواء حيث النّقاء والهدوء.
في الطّبيعة يتعلّم أطفالنا قيمًا اجتماعيّة من خلال علاقتهم معها. فمن يحترم الأشجار والحيوانات باستطاعته تقديم الأفضل لرفيقه الإنسان.
خذوا وقفة من زخم حياتنا العصريّة، عيشوا الطّبيعة ليعتاد أطفالنا على نهج حياة سليم وسط الفوضى والضجيج.
*الكاتبة هي اختصاصيّة نفسيّة علاجيّة